ألادب والشعرعاجلكتاب و آراءمصر النهارده

“خنجر مسموم”  بقلم شيماء حسين “السويس “

Advertisement

 الكاتبة : شيماء حسين 

أنا طالب بالفرقة الأخيرة من التعليم العالي كما يقولون، ولكني سيدي لا أُجيد حوارًا، حتى أنني لا أعلم كيف يكونون جملة طويلة، تلازمني فقط الكلمات القصيرة أما الطويلة فقد قررت هُجرانًا، هل هكذا أنا بخيل بمادة الكلمات؟ يُعاني العقل من وظيفة حث اللسان على نطق الكلمات، وأحيانًا تخذلني الحنجرة لتتحشرج واللسان يُتأتأ.

كيف لي أن أكون هكذا وأحب منار الطالبة الجامعية بنفس صفي وهي إجتماعيًا جيدة في الخطابة وفن الردود. أنا لم أعاني فقط بنطق الكلمات، بل أستأنس أيضًا بكوني منفردًا، لم أرى نفسي قط أُحدث أحدًا عن سرٍ من أسراري كأنها أسرار جهاز المخابرات الدولي أو أنها قرارات جمهورية غير منتشرة، دائمًا ما يُدير الطرف الآخر الحوار وأنا أكتفي ببعض الكلمات حتى التي لا تتعدى بضعة أحرُف.

 

ها أنا أقطن بكافيتريا الجامعة حتى أنني أجلس وحيدًا؛ فصديقي الوحيد “سيف” لم يأتي حتى الآن، تمر من أمامي منار ملكة جمال قلبي، أحُبها من أول يوم بالجامعة، ومع اختطاف النظرات بين حينًا وأخرى ولكنها لا تكفي فلم أكن ممن يتواصلون بالعيون؛

ولهذا أُراقب حسابها الشخصي على جميع مواقع التواصل حتى أهنأ بصورة تُشبع هذا العقل بغريزة الغوغائية المُتَمَلِكة منه.

شيماء حسين     شيماء حسين 

لطالما شعرت بنظراتها تتقابل لبعض الثواني على عدستي عيناي، ولا أعلم بكل مرة ألهذا مغزى أم ماذا؟ فأنا أخشى الرفض بمسمياته المختلفة. لطالما يُحببني سيف ويراني مختلفًا وإستثنائيًا

 

اليوم التالي

يهرول سيف قُبالتي، قائلًا:

– أتعلم أن منار تدخن لفافات السجائر؟

– نعم أعلم.

أكاد أرى حاجبيه يتخذا شكل التعجب قبل نطق لسانه:

-كيف عرفت؟

أردف قائلًا:

-رأيتها عدة مرات عند دخولي القاعة تُطفئها، فلطالما تراقبها عيوني بين حينٍ وأخرى.

أومأ برأسه فهو يعلم أنني قد آتي يوميًا للجامعة لرؤيتها فقط.

ينتبه كأنما تذكر شيئًا ويقول:

– سأقول لك شيئًا ولكنه سرًا بيننا، فأنت تعلم أنني صديقها المقرب والعالم بأسرارها، وإن نشرت أسرارها لن تثق بي مرة أُخرى.

لم يكد يُكمل لآخر كلمة بجمله وأنا أتحفز لأردد:

– ما هو السر؟!

– هي مديونة بمبلغٍ كبيرًا؛ لأنها لا تشرب السجائر فقط، بل هي مدمنة هيروين.

يتخلل الحزن أعضاء وجهه، ويردف:

– بالطبع، من يشرب هذه المخدرات يكاد يُجن جنونه ويفعل أيًا ليُرضي أعضاء قد تنقلب غاضبة إن لم يُسكِنها.

يكمل طريق الكلمات ليكون جملة قائلًا:

– سأتصرف لها بما تُريد، فأُشفق عليها من أي ضرر.

لا أعلم لمَّ أتحول من الشخصية الإنطوائية إلى الإجتماعية فقط مع شخصًا واحدًا وهو سيف، فلطالما أحبه؛ فهو أول صديق لي بالجامعة منذ ثلاث سنوات وخيفيتي من جميع العلاقات السطحية والخارجية. قدد قرر سيف أن يأتيني بجميع أخبارها بعد علمي أنني أحبها؛ فهي صديقته المقربة.

شيماء حسين  الكاتبة شيماء حسين

ولكن ما هذه الورطة التي وضعتني بها من أين سآتي لها بالمال، يالا لهذا العقل الذي لا يُرتب مع اللسان لإعطائه الأوامر، فيخرج ما يريد من كلماتٍ غير مدروسة. جميع ما لدي ألف جنيه فقط والمبلغ المطلوب ثلاثة آلالاف، لمعت عيناي لفكرة خبيثة، سرقة إسورة واحدة فقط من ذهب أمي، ولكني لم أعتد أن أسرق ومن من والدتي التي تأمنني على جميع مالديها. ولمَّ لا فيستحيل أن أطلب من أمي وأبي مالًا؛ فأنا من تربيت على يديهم أن دخول المنزل بموعد والأكل ملازم لميعاد، فكانت تربيتي قاسية وخانقة لي، ولا أمتلك إخوة يتقاسموا معي الخنقة فأكون متوازن نفسيًا.

 الاهرام الدوليه جريدة الأهرام الدولية  الكاتبة شيماء حسين

بعد يومين

 

– أتعلم أين منار يا سيف.

– ألقي السلام أولًا يا أخي.

مع جلوسي أتوتر وأقول له:

– لقد جلبت لها المبلغ، أين هي إذن.

يشهق سيف مع توتره وظهور علامة المائة والحادية عشرة، ويردد:

– أنت تُحبها بهذا الشكل، إذن فهي بالقاعة الثانية.

لا تتجه قدماي ناحيتها فقط ولكن قلبي وأعضائي يتنفسوا ويتسابقوا لرؤيتها أيضًا، وقد قرر قلبي التبرع بدمائه في سبيل عمل الأعضاء على أكمل وجه. ها هي وسط أصدقائها من النوعين، ولكني لا أعلم أهذه الفتاة الموردة مدمنة؟! أُجرب مناداتها داخلي قبل نُطقها على لساني، هيا استعد يا بطل:

– منار

تندهش وتلتفت مندهشة، وتردد:

ماذا تريد؟

– أريد أن أحدثك وحدك قليلًا.

تقوم متكاسلة مرغمة، أهذا ما أراه فعلا أم أن عيناي قررت الخيانة لحظة

– إذن ماذا تريد؟

هيا ردد ولا تُخطيء هذه المرة أرجوك، فقد دربتك كثيرًا على هذا الموقف:

– هذا المبلغ تصرفت به لتسديد ديونك، ولا تخافين سيظل سرًا بيننا.

لا أرى الدهشة بعيونها وكأنها كانت تنتظر، لا يهم فقد رأيت لمعانًا بعيونها، ولكنها لا ترد، أيكون من صدمتها من الموقف ام ماذا؟ أظن أن قد اقترب البوح بالسر العسكري إذن.

شيماء حسين  الكاتبة  شيماء حسين  جريدة الأهرام الدولية  الاهرام الدوليه

بعد أسبوع

أشعر بالنشاط اليوم، حتى أن عقلي قد استكفي من راحته، وقررت النزول من بيتي للجامعة باكرًا.

ها هم سيف ومنار أود أن أراها فقد أحسست بعد ظمأ أنها تريدني ولكن مع أفعال متخللة غريبة، فلا أعلم ماذا أفعل فالتحير قد اتخذني صديقًا. مع اقترابي استمع لحديثهم دون ملاحظتهما؛ فقد كانوا يعطونني ظهورهم.

قالت منار بضحكتها المعهودة التي تكاد تأكل جزءًا من عقلي:

– أتعلم صديقك هذا مغفلًا، لقد صدق أمر مديونتي، وقرر أن يجلب لي المال.

 يُقهقه سيف قائلًا:

– الحب يفعل أكثر من هذا، أتعلمي لقد أخبرني أول أمس أنه سرق والدته حتى يتصرف بهذا المال.

ينسل الكلام من بين شفتيها لتتحرر:

-ولكنني أحبك أنت.

-وأنا أيضًا سيدتي.

ماذا أسمع!لقد قالت له أُحبك بأريحية العقل واللسان ومع عدم إعتصار أصابع اليدين مع إرتباك القدمين، إذًا فهي معتادة قولها له ، يالا لخسة أفعالكما. لقد ترك الحزن المليارين فرد سكان العالم، وتجمع على صدري، ففي هذه اللحظة أكاد أقسم أن الحزن له كتلته التي تثقل صدر الحزين. تقودني قدماي للخروج من الجامعة. ولكنني سأنتقم منهما، فما هذا أقرب سكاني بالعالم لقلبي خائنين.

 

أخذ الحزن مني أسبوعًا كاملًا، ونزلت للجامعة حتى لا أبين حزنًا أمامهم، فكلها ساعات وتتغير الموازين، لم أقضي هذا الأسبوع في البكاء وهمهمة كلامًا لن يُغير الأقدار، فبعد مراقبتهما الإثنين تأكدت من شكوكي فمن يخون مرة يخون مرات؛ قاعدة ثابتة مع مرور الأجيال. والآن معي صور تؤكد ليس للناس فقط، بل لعقلي أيضًا حتى لا أُجن. وبرقمٍ غريب راسلت سيف هذا الخنجر المسمم الذي طعن المقتل مباشرة ولم يُشفق حتى وتلذذ برؤية دماءه، أرسلت له صور منار الخائنة مع غيره.

 

مع مرور قدماي من باب كليتي؛ فهي من تقود اليوم مع تَغيُب العقل وإرهاقه، وأصبحت الجمجمة خاوية. وها هي أصواتًا عالية بقاعة المحاضرات تُنبأ عن خلافهما حتى سمعت أصواتًا تُنبأ أكثر عن فضائح، فقال بأعلى صوتًا ومع إرهاق الحنجرة:

– تشربين الخمر وأيضًا تعرفين شبابًا غيري.

بعد ظن منار أن الوسيلة الوحيدة حاليًا لرد جزءًا لا يُقاس من شرفها الذي ضاع، قالت:

 – لا تنسى فأنت محتال، فأنت تحتال على معظم من بالجامعة وتسرقهم، آخرهم عمر الذي شاركتني بإستغلاله.

 يُهمهم الحضور مع فتح جميع الحضور أفواههم.

 

جاء حقي ومازالت النفس غير راضية، سترضى مع مرور الوقت، سيراً علي أقدام تشتكي من السير في طريقها منفردة. الحزن لم يكن يومًا الشعور اللئيم المحيط بك، بل شعور يجعل الألوان حولك تتخذ للأسود صديقًا، وحينما تحاول الكتابة تجد سطور ورقتك قد تلونت بالأسود، ألم تلحظها من قبل؟ أنظر لكل شيء بدون تعديل فشعر رأس معظم العالم بهذا اللون، وعينيك، حاجبيك، لا تيأس فالسواد يتخلل بعض أجزاء جسدك؛ فلا تتخذه عدوًا. ولا تحزن لفراقِهم فقد كان الصندوق الذهبي الذي أحضروه لك تابوتك، وأما الوجبة الشهية الفواحة الرائحة فكانت مسممة، وأما آرائهم عنك فكانت مجاملات ذات مغزى.

 

 

في اليوم التالي تم إحالتة منار وسيف للتحقيق بالجامعة، وتم إثبات نصب سيف على أكثر من خمسة بالجامعة بطرق غير شرعية من خلال ربط أحداث ماضية به، ولقد فضحت منار حتى أنها أحالت ورقها لجامعة أخرى بعد سماع جميع الإهانات على سمعتها. فقط اصبر إذا ظُلمت، ولا تشعر بأن أي ظلم ممرت به نهاية، بل هو بداية الكثير من الطرق المستقيمة؛ فاليوم عبرت لي تمارا زميلة نفس الدفعة بمشاعرها تجاهي، وأنني ذو خلق رفيع، فاتيقن أن هناك من يراك نجمًا لامعًا، ولكنه ينتظر إستدارة جزئك الأيمن فقط ليراك. وعلى ذِكر كل شيء جميل أُهنأ قلبي علي زيارة العضو الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى