ألادب والشعرعاجلكتاب و آراء

 قصة قصيرة بعنوان “وريد أزرق” بقلم  شيماء حسين

Advertisement

الكاتبة :شيماء حسين

محكمة….
تجلجل القاعة بصوت القاضي وهو يقول: حُكم على المتهم بإحالة أوراقِه إلى فضيلة المُفتي.

تبكي عيوني دماءًا، مظلوم لم أقتل “مرعي”، الأحق أنه هو من قتلني آلالاف المرات مع كل كلمة مهينة قِيلتْ لي، حتى أنني لازمت البيت بالأشهر، فلا أرى أحدًا ولا أحدٌ يُلقنني إجتناب النظرات.

آآآآآآه
استيقظ يوميًا على نفس الكابوس الذي يلازمني في جميع الليالي، صحيح أنني فكرت بقتل عدة أشخاص وأحقد على البقية، ولكنني لا يُمكن أن أقتل أحدًا، زهق الأرواح للخالق.

 

منذ عشر سنوات من عُمري، وأنا أشعر بأن كل سنة عادية تمثل بالنسبة لي ثلاثمائة ثلاثة وستون سنة، لا تقولوا أنني أخطئت بعدد السنوات؛ فأنا أُدرِكْ ما أقول، حريق ببيتنا أفضى بموت أخوتي منذ كنت بالثامنة ولم يتبقي سوي أنا ووالدي، لا أعلم أَمِن حُسن حظي كوني مازلت حيًا أم من سوءِه ممات أفراد عائلتي وكوني أمتلك من التشوهات ما يكفيها؛ ولضعف إمكانيات البلدة ولعدم إمتلاك والدي ما يكفينا إلا لسد متطلبات الحياة لم تكون صالحة لعلاجي، أكره كل من يمتلك مالًا يرميها بكل مكان وفي كل شيء بخيس يفيض بسعادة عارمة مؤقتة ببضع ثواني، حتى أنه يشبع رغبته المتوحشة في إمتلاك الأشياء، أكره أن أُحادث من يمتلكون طابع الوسامة بوجوههم.

لطالما تختبيء الأطفال مني وراء أمهاتهم كأنهم رأوو عفريتًا، حتى أن الكبار يتوجسون منِّي خيفة مع عدم إظهارها، ولكني كجروٍ يشتم رائحة خوف البشر من بعد، أيضًا هناك من يتحاشي النظر عليّْ، لا أعلمْ أَءُثير التقيُأ لديهم أم لعقولهم أقوال أُخرى؟! فإذا أذيت أحدًا من شدة غيرتي وألمي سيُنجيني من العقاب مجرد إحساسي بِتَبرُأ المجتمع منيِّ؟

لطالما فكرت بإنهاء روحي بأقسي طريقة تُسبب ألمًا لجسدي، فيمتلكني الرُهاب ويمنعني بأخر لحظة، حتى أنني أُداعب وريدي يوميًا بسكينٍ باردٍ، فلا أجد الطاقة لقطعه.

أَود إخبار العالم أنني أكرهه فلو إمتلكت أعناقهم، سأكسر الرقبة، فلا يدخل ذرات تحمل الحياة، ويخروا أمامي. أنت لا تعلم كيف ألا تمتلك صداقات إلا من حيوانات،
وأظن هي الأخرى ستترُكني إن علمت بحقيقة أمري، فأي إستثناء غير مرغوب به لدى جنس البشر، وحقيقةً لا أعلم أتمتلك الأجناس الأخرى هذا الشعور المنبوذ؟! ولكن حقدي تجاه العالم بكفة و”مرعي” بالكفة الأخرى ويزيد أيضًا؛ فهو دائمًا ما يُعايرني كأنني من أتحكم بالشكل مع حرفية الملامح.

– أيُها الأشعث!
صوت مرعي يُنادي، لطالما تعودت على نداءاته، حتى أن عقلي لم يعُد يضعها بداخل حجرة الإهانة وقلل من حدة تأثيرها درجة.
أكتفي بعدم الرد، حتى أن نظرة عيناي تجاهه كثيرةً عليه؛ فهكذا بعض البشر يجب معاملتهم كالأطفال وعدم الإلتفات لأفعالهم حتى عدم التعود. لن أُكذبكم قولًا فلقد كان تأثير هذه الإهانات لأول مرة صدىً من الطاقة السلبية يجول من الفص الأيمن للأيسر في دائرة مستمرة لم تنتهي دورتها حتى أسبوعًا كاملًا،
حتى أنكم لا تحاكموا قاتلي فقد كان سببًا في إراحتي من أهوال الحياة. لمَّ لم تدرجوا البشر ضمن الكائنات المفترسة؟! أظُنه أخطر من الأسود؛ علي الأقل لم يهاجموا بني جنسهم.

بعد شهر
– حريق حريق حريق!
صراخ يُنبأ عن مصيبة لا تحتمل تهويلًا، ورائحة تكاد تُثقل الصدر بذراتٍ قاتلة، مع تغييمٍ بالسماء تكاد عند رؤيته تتوجس خيفة وتُغلق أبواب بيتك على نفسك وأهلك.

سألت أحد المارة المهرول بإناءٍ من المياه:
– ماذا حدث؟!
– حريق بدار مرعي بسبب إشتعال كومات قش الأرز بجانبه.
لم يفيق عقلي إلا وقدماي تقودني لبيته، وأنقذت أهل بيته جميعًا.

وجميع أهل البلدة حيوني ومنهم من صفق، حتى أن مرعي حضنني وربط على كتفي، فكان لهذا أثره على ظُمأة واحتياج مشاعري.

 

بعد أسبوع
أردف مرعي قائلًا مع زوغان عدستا عيناه يمنة ويسارًا:
– بعد أن صِرنا أصدقاء، أود أن تعمل معي بطاحونة بلدتنا براتب أنت من تُحدده.

لا أعلم لمَّ زارتني بسمةً على ثغري مع أريحية ملامح الوجه، وأردف:
– موافق.
لقد كنت خيطًا ضعيفًا أرهقتَه ظروف الحياة فتمزق، ودعائم غرفات قلبي انتكست لعدة مرات؛ بسبب كلمةً قالها لي أحدهم، ولكن اليوم أفضل من البارحة ونظرتي أصبحت بارقة، حتى أنني أدركت بسمة تُزين ثغري، فمرحبًا بالضيف الجديد وسلامًا لدموعي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى