ألادب والشعرعاجلكتاب و آراءمصر النهارده

شيماء حسين _ قصة قصيرة بعنوان ” رصاصة مُسالمة لذوي الهمم”

Advertisement

الكاتبة :شيماء حسين

يبقي السؤال الأكثر صعوبة فلا يمتلك جوابًا لكل من طَرحته عليه: ” لمَّ تُعاملونَني هكذا فقط لكوني من ذوي الإحتياجات الخاصة؟”

 

بحجرة لم يتقد بها غير شمعة صغيرة قررت أن تنصهر وتموت للأبد، ظلمة الحجرة كقلبي الذي يضخ لجسدي دماءًا فاسدة.

 

المعاملة منكم لي تُثير عقلي دائمًا فلا يهدأ، ولطالما لم أخرُج من منزلي لكي لا أرى نظرة الشفقة بعيناكم، لمَّ كوني بشارع به عشرات الأشخاص تتوجه أزواج عدستاكم بجميع ألوانها عليّْ فقط دون البقية؟ وأنا أُقسم لكم أن الإعاقة لا تكمُن بشكل الجسد، بل أن معظم أرواحكم مشوهة، فقد إمتلئت زوايا أرواحكم بالسواد حتى أودت إلى إلتهام أرواحكم داخل الثقب الأسود بعقولكم قلتلتهم أرواحكم السوداء مع نصاع الجسد فلا ترى به عيبًا.

 

والآن أُصارع وحدي الحزن على حَلَبِة الحياة، ويا أسفاه فكوني راضيًا على إبتلائي يكمن بنوعية نظراتكم لي، فإذا كانت نظرة مستنكرة ستجد نوبات الإكتئاب لم تجد أجسام مضادة تقف بوجهها لحماية جسدًا مرهقًا.

كون أحد قداماي تركتني لا يعني نقصانًا بل النقص يكمن بالأرواح، فأتذكر يوم جلوسي بمقعدًا يعتاده غيري ولا يجلس إلا عليه بأحد الدروس الخصوصية، وجاء للشجار معي وعند رؤيته لي قال له صديقه:

– اتركه، كيف لك أن تضرب ضعيفًا؟!

أقسم لك أن هذه الجملة ترددت بعقلي أسبوعًا كاملًا فلم تترُكني حتى في أحلامي.

 

 أول شعرة بيضاء لدي قررت التحرر من كونها سوداء فتخلت عن صبغتها لتقودها شعرة قررت التخلي عن طبيعتها بمتوسط واحدة لكل شهر. جعلتم مني عجوزًا ذو سابعة عشرة عامًا فقط.

 

جعلتم مني حاسدًا على الأصحاء بآخر يومي، فلكي أكون بهذا الثبات والإتزان على حافة جمرة كلامكم الحارة وجب عليّْ معارفي وضع مقدارًا من طاقاتهم فقط لإعطائي مقدارًا يُعادل نظراتكم، كلامكم، تعبيرات وجوهكم، إلتواء أفواهكم، العدول عن النظر إليّْ.

 

لطالما إستيقظت من نومي على صراخ طفلًا رأى هيئتي، ولكنه لم يُخطيء فأنا عند رؤيتي لقدمي المتخلية عن جسدي صرخت حتى جلبت طاقم المشفي لإعطائي مهدئًا حتى بضعة أيام تعودت بهما على شكلي الجديد.

 

لا تعلمون يا سادة شيئًا عن كون جزئًا منك قرر الموت والتخلي عنك ولا يُريدك، لا تعلم أهذا الجزء يُدفن بمقبرتك حتى موتك كامًلا أم أنه سيظل وحيدًا تحت التراب.

 

ترائب ضلوعكم المنعوجة صلابتها تكمن بإعوجاجها، فإذا حاولت أن تجعلها تستقيم ستنكسر، فقوتها تكمن بالإعوجاج. وربي الذي جعل ترائبك معوجة لهدف حماية قلبًا تَسُبَه أنت عند حزنك على تناقص معدل نبضاته. وكما ذكرنا أن بإعوجاجها تكمن الصلابة ليسير قلبك على إستقامة وظيفته. وحكمة ربي لجعله على هيئة أزواج، فلا يوجد ضلعًا منه منفردًا كأنه لا يكفيه كونه منعوجًا فيكون منفردًا أيضًا! أكاد أُشفق على مجرد ذكر الإفتراض. أنظر أيضًا لقلبك بحجراتٍ أربع ليذكرك أن جسدك يميل للأعداد الزوجية، حتى بداخل قلبك -العضو الفرد الواحد- تكمن الزوجية بحجراته الأربع. وبعد كل هذه الحِكم الإلهية تضعوا بقلبي حَجَرًا يُعطل من وظائفه المختارة.

 

– سيف سيف إستيقظ.

 يفرُك عينيه التي أخذت على الراحة مدة طويلة فتريد قسطًا آخرًا حتى تخرج من سكونها ويقول مستفهمًا بنصف عين:

– ماذا حدث أمي؟

-سمعتك تصرخ بنومك فقررت أن أُوقظك، بماذا حلمت؟

– أنني أُلقن العالم درسًا لرد عدم إحترامهم بمن يمتلك إعاقة.

– إعلم أن الإعاقات الحقيقة هي من توجد بالروح ولدي.

– الحمد لله، فأنتِ تعلمين أمي أنني أرددها دائمًا ولكن أحيانًا الضعف ينال من عقلي، فإدعي لي بالثبات.

– أدعو لك بكل سجدة، هيا يا جميل لأن وزارة الشباب تنتظر الفارس الهُمام لكي تُكرمه أمام الفضائيات.

–  أتعلمين أنني أحيانًا أشكر ربي لكوني ذو خلل جسدي وأنا مُعترف أنه خللًا ولكنني راضيًا؛ فلولاه لمَّ تُوجت أفضل لاعب كرة قدم لذوي القدرات الخاصة على مستوى القارة السمراء.

– أجل ولدي يبتلينا الله- عزوجل- لنصبر، فإذا رضينا أخذنا كل ما نُريد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى